{الشحرور يمثل الامم الضعيفة والثعبان الامم القوية:-}
كانَ الربيعُ الحُيُّ روحاً، حالماً غضَّ الشَّبابِ، مُعَطَّرَ الجلبابِ
يمشي على الدنيا، بفكرة شاعرٍ ويطوفها، في موكبٍ خلاَّبِ
والأُفقُ يملأه الحنانُ، كأنه قلبُ الوجود المنتِجِ الوهابِ
والكون من مظهرِ الحياة كأنما هُوَ معبدٌ، والغابُ كالمحرابِ
والشّاعرُ الشَّحْرورُ يَرْقُصُ، مُنشداً للشمس، فوقَ الوردِ والأعشابِ
شعْرَ السَّعادة والسَّلامِ، ونفسهُ سَكْرَى بسِحْر العالَم الخلاّبِ
ورآه ثعبانُ الجبالِ، فغمَّه ما فيه من مَرَحٍ، وفيْضِ شبابِ
وانقضّ، مضْطَغِناً عليه،كأنَّه سَوْطُ العذاب وسطوةُ الإرهاب
بُغتَ الشقيُّ، فصاح في هول القضا متلفِّتاً للصائل المُنتابِ
وتَدَفَّق المسكين يصرخُ ثائراً: «ماذا جنيتُ أنا فَحُقَّ عِقابي؟»
لاشيءِ، إلا أنني متعزلٌ بالكائنات، مغرِّدٌ في غابي
ألْقَى من الدّنيا حناناً طاهراً وأَبُثُّها نَجْوَى المحبِّ الصّابي
«أَيُعَدُّ هذا في الوجود جريمة ً؟! أينَ العدالة ُ يا رفاقَ شبابي؟»
لا أين؟، فالشَّرْعُ المقدّسُ ههنا رأيُ القويِّ، وفكرة ُ الغَلاّبِ!
وَسَعَادة ُ الضَّعفاءِ جُرْمُ..، ما لَهُ عند القويِّ سوى أشدِّ عِقَاب!
ولتشهد- الدنيا التي غَنَّيْتَها حُلْمَ الشَّبابِ، وَرَوعة َ الإعجابِ
أنَّ السَّلاَمَ حَقِيقة ٌ، مَكْذُوبة ٌ والعَدْلَ فَلْسَفَة ُ اللّهيبِ الخابي
لا عَدْلَ، إلا إنْ تعَادَلَتِ القوَى وتَصَادَمَ الإرهابُ بالإرهاب
فتَبَسَّمّ الثعبانُ بسمة َ هازئٍ وأجاب في سَمْتٍ، وفرطِ كِذَابِ:
«يا
أيُّها الغِرُّ المثرثِرُ،
إنَّني
أرثِي لثورة ِ جَهْلكَ التلاّبِ»
والغِرُّ بعذره الحكيمُ إذا طغى جهلُ الصَّبا في قلبه الوثّابِ
فاكبح عواطفكَ الجوامحَ، إنها شَرَدَتْ بلُبِّكَ، واستمعْ لخطابي
أنِّي إلهٌ، طاَلَما عَبَدَ الورى ظلِّي، وخافوا لعنَتي وعقابي
وتقدَّوموا لِي بالضحايا منهمُ فَرحينَ، شأنَ العَابدِ الأوّابِ
وَسَعَادة ُ النَّفسِ التَّقيَّة أنّها يوماً تكونُ ضحيَّة َ لجنابي
فتصيرُ في رُوح الألوهة بضعة ً ، قُدُسية ٌ، خلصت من الأَوشابِ
أفلا يسرُّكَ أن تكون ضحيَّتي فتحُلَّ في لحمي وفي أعصابي
وتكون عزماً في دمي، وتوهَّجاً في ناظريَّ، وحدَّة ً في نابي
فَكِّرْ، لتدركَ ما أريدُ، وإنّه أسمى من العيش القَصيرِ النَّابي
فأجابه الشحرورُ ، في غُصًَِص الرَّدى والموتُ يخنقه: «إليكَ جوابي»:
لا رأى للحقِّ الضعيف، ولا صدّى ، الرَّأيُ، رأيُ القاهر الغلاّبِ
فافعلْ مشيئَتكَ التي قد شئتَها وارحم جلالَكَ من سماع خطابي
وكذاك تتَّخَذُ المَظَالمُ منطقاً عذباً لتخفي سَوءَة َ الآرابِ